بقلم:احسان باشي العتابي
الجامعات بطبيعتها، تمثل جزءا مهما من العقول النابضة لأي شعب،يطمح بالوصول لكل ما يخدمه ويرفع من شأنه في كافة المجالات،وهي بطبيعة الحال، ليست فقط أماكن لتلقين العلوم والمعارف بكل أنواعها ،بل هي حواضن للقيم، ومعاقل للفكر الحر، ومصانع لبناء الإنسان.لكن حينما يصاب ذلك العنوان البهي بعلل المجتمع الكبرى، وتختزل رسالته في الحصول على شهادة أو منصب، فإن الأمر يستدعي وقفة جادة ونقداً مسؤولاً،يفضي لإيجاد السبل لدفع تلك العلل بكل صرامة واقتدار،فالقضية هنا قضية”وجود”.
ترددت كثيرا ،في الكتابة عن هذا الموضوع الحساس لدواعي كثيرة، “الخوف” ليس منها اطلاقاً، لكن بالنتيجة قررت الكتابة ،بامل ان تجد كلماتي المتواضعة صدا، عند كل إنسان يسعى جاهدا، للحفاظ على القيم والمبادئ المحترمة؛وعلى وجه الخصوص ابناء العراق الغيارى،الذين يعنيهم موضوع المقال. في السنوات الأخيرة، باتت تتكرر وبشكل مقلق،حالات وسلوكيات لا أخلاقية داخل بعض الجامعات العراقية، من أبرزها إقامة علاقات غير شرعية بين بعض التدريسيين وطالبات، هدفها الأساسي تحقيق النجاح الدراسي دون استحقاق علمي. هذه الظواهر، وإن كانت لا تعبر عن الجميع، فإنها تؤشر على أزمة قيم اخلاقية،وتقصير رقابي، وفراغ تربوي خطير!
قد يسارع البعض إلى تبرير هذه الأفعال باعتبارها “حالات شاذة” أو “تصرفات فردية”، ولكن تكرارها وانتشار الحديث عنها – سواء في الإعلام أو بين الناس – يكشف أن هناك خللا ممنهجا في بعض المؤسسات المشكلة لا تكمن فقط في من ارتكب الفعل، بل في البيئة التي سمحت بحدوثه، وغضت الطرف عنه، وربما شجعت عليه بالصمت أو التواطؤ!
نحن حينما نتحدث ونكشف هذه القضايا، لا نقصد تشويه صورة الجامعات العراقية أو الانتقاص من هيبتها، فهي طالما أشير لها بالبنان دون شك ،بل نحاول إنقاذ ما تبقى من روحها ؛فالنقد البناء هو سلاح أهل العقل و الضمير الحي، لأنه لا يهدف إلى الهدم، بل إلى الاصلاح والبناء. وإذا لم نعترف بالمشكلة، فلن نتمكن من مواجهتها، وسيبقى الضحايا يعانون بصمت ،فترك هذه الممارسات دون مواجهة حقيقية، يعني أننا نساهم – بقصد أو بغير بقصد – ،في إنتاج أجيال بلا أخلاق، ولا انتماء، ولا جدارة. وإذا ما تحولت الجامعة إلى سوق للمساومات بتعدد اسبابها،بدل أن تكون منارة للعلم، فإننا سنعيش كارثة على كافة المستويات، تستدعي إعلان حالة طوارئ أخلاقية بالوطن ،فلا مستقبل لوطن يقتل العلم بقيم السوق.
يا اصحاب العقول النيرة والضمائر الحية في وطن مهد الحضارات..
ان الأمر لا يتوقف على إصدار العقوبات فقط، بل يستوجب إصلاح تربوي وثقافي شامل، يبدأ من الأسرة والمدرسة.يلي ذلك ،السعي الحثيث، للوقوف على اسباب تفشي تكرار تلك الحالات والسلوكيات، ولا اقول الظاهرة فضلا عن ظواهر،احتراما لذلك المسمى والعنوان الأكاديمي المحترم والعريق،هذا من جهة، وحتى لا اتهم باستهداف تلك المؤسسات التعليمية من قبل بعض المؤدلجين والبسطاء من الناس من جهة ثانية.كما ويجب التعريف بنتائج وتداعيات تلك الأفعال المشينة،التي يدنى لها الجبين؛ فهي بالنتيجة، ستنهي الثقة تدريجيا في الجامعات ،وتحول النجاح الأكاديمي إلى سلعة، لا نتيجة جهد علمي ،وإنتاج أجيال ضعيفة من الناحية العلمية والأخلاقية، وتزيد بنسب الفساد الإداري داخل المؤسسات التعليمية.
كما ويتوجب تفعيل لجان النزاهة داخل الجامعات بشكل مستقل، وإعادة النظر في القوانين التأديبية للأساتذة والطلبة؛ وإنشاء وحدات استشارية نفسية واجتماعية داخل كل كلية، وإشراك الطلبة في مراقبة البيئة الأكاديمية، ضمن أطر قانونية، ونشر الوعي الأخلاقي عبر مناهج تربوية، تركز على القيم والسلوك ،لانه وكما نوهنا سلفا،ان الجامعات ليست مجرد مؤسسات مانحة للشهادات العليا، بل هي مؤسسات صانعة للإنسان والمجتمع ،وإذا تحولت إلى أماكن للابتزاز والانحراف، فإن هذا ينذر بخطر عظيم على مستقبل التعليم في العراق،فضلا عن طمس منظومة الاخلاق الرفيعة، التي طالما عرف بها العراقيون.
لذا من الواجب الاخلاقي ،والوطني ،والمهني ،ان نضع نصب أعيننا جميعا، ان الحفاظ على تلك المبادئ والقيم الرفيعة،التي فيها رفعتنا كشعب ورفعة وطننا العراق ،هي فوق كل الاعتبارات الأخرى.
بقلمي:
لا أقم للمعلم
ولا أفه التبجيلا
بل اكون بحضرته صاغرا ذليلا
وكيف لا؟
وبه أبصرت جل الحياة
وبدونه لكنت ضريرا