بقلم:احسان باشي العتابي
لست مبالغا إذا ما قلت ،ان وطني العراق يحتضر على مدار الوقت ،منذ قرابة الربع قرن من الزمن، زادت طينته بلة كما يقال بالأمثالل! وطني تجثم على صدور أبنائه هموما فاقت الجبال الرواسي! حتى باتت ازماته متراكمة كتراكم انقاض المدن التي ضربتها احدى عوامل الطبيعة القاسية المدمرة! في وقت ينتظر فيه اهله اي بارقة امل، يقودها من يكون اهلا لها لتنجيه من كل ذلك.
ونحن في خضم تلك الأزمات، فوجئنا بإصدار بيان رقم (1)،لكن من سخرية القدر ،انه لم يكن بيانا يهدف لانتشال البلد من واقعه المرير الذي نوهنا عنه سلفا، بل هو بحقيقته، اعلانا رسميا تبنته المديرية العامة للمرور بخصوص الدراجات النارية!
لن اكون مبالغا، او متجنياً ،او مسيئا للأدب حتى، ان وصفت ذلك الامر”بالمهزلة”! بلد يحتل المراتب الأولى في جل السلبيات ، وعلى مختلف الاصعدة والنواحي، فيصدر فيه أول بيان على طريقة الانقلابات الكبرى، لا ليعلن عن تغيير جذري لحال البلد ،بل ليخبرنا من يحق له ركوب الدراجة ممن لا يحق له!
أليس في ذلك استخفافا بعقول العراقيين؟! أليس ذلك البيان ،صفعة على وجه جميع الطبقة الحاكمة، ووجه كل من ينظر إعلاميا لها، ليصور للآخرين ان اوضاع العراق وردية إلى حد ان الكثير من البلدان يحسدوننا على ما نحن فيه؟!
وبرغم كل تلك الأوجاع ،والاهات،والمآسي، لا زال العراقيون يتأملون الخير في النظام الحاكم هذا! بسبب ان التجربة حديثة ،ومن الطبيعي تواجه إخفاقات على ارض الواقع، فكانوا ينتظرون بلهفة، بياناً تفتح فيه ملفات المفسدين بجميع عناوينهم ومسمياتهم، بل فتح ملفات الاشخاص والجهات المتهمة بتصفية العراقيين الأحرار لاسباب عديدة، او ربما اعلانا لحالة طوارئ، تهدف لتعديل مسار مجريات الأمور جهد المستطاع ،لا قائمة مجلجة للدراجات المجازة وغير المجازة!
كنا نترقب موقفاً يعيد للدولة هيبتها، لا فقرة إرشادية تصلح لصفحة إعلانات مبوبة، بيان رقم (1) كنا نحلم أن يكون إعلان ولادة عراق جديد، لا مجرد ورقة بيروقراطية ،تتحدث عن محركات وأرقام هياكل احدى وسائل النقل! هذا ليس بيانا بقدر ما هو نكتة ثقيلة الظل، في مسرحية عبثية اسمها “ الواقع العراقي”! إذا كان هذا هو فحوى البيان الاول المزلزل لجزء من الطبقة المسحوقة من الشعب ،فربما في القريب العاجل،يكون البيان الثاني مختص بالباعة المتجولين، الذين يسعون لكسب لقمة العيش، التي اصبح الحصول عليها يضاهي سكرات موت النفس الخبيثة!
يا سادة العراق الجدد،ان العراق ليس بحاجة إلى تصنيف دراجات او ما شابه تلك القرارات ،العراق بحاجة إلى من يصنف الكارثة الحقيقية فيه،أن من بيدهم سلطة القرار ،لعلهم لا يدركون أين يقف هذا الشعب ،ولا إلى أين يساق!
يا سادة العراق الجدد،يمكنكم ان تسنوا القوانين التي تخدم البلد والشعب، حتى وان كانت بالضد من مصلحة بعض ذلك الشعب، فسن القوانين التي تخدم المجتمع وتطبيقها لا يغيض إلا الفوضويين، وبطبيعة الحال أقولها بضمير مرتاح ،نحن بالضد منهم جملة وتفصيلا، لان الفوضى تدمر البلدان لا تعمرها،لذلك فان القرارت الارتجالية التي تصدر بين الفينة والأخرى من جهات مسؤولة ،نعتبرها موسسة للفوضى!
لذلك، اتمنى بل والتمس من الجهات المسؤولة، ان لا تستعجل بإصدار اي قرار حتى تدرس سلبياته وإيجابياته بدقة شديدة، حتى لا تفقد هيبتها امام الجماهير، ففقدان الجهات المسؤولة الرسمية لهيبتها لسبب واخر ،هو من يدفع الساعين للفوضى وغيرهم ،بالنظر لها باستخفاف ،وحقيقة ذلك ما لا نرتضيه لانفسنا كعراقيين.بالتالي على الجهات المسؤولة في الحكومة، ان لا تنسى او تتناسى ،انها هي من فتحت باب استيراد تلك الدراجات بأنواعها،وبالنتيجة ان المواطن تحمل أعباء شراءها بكل تفاصيلها،فمن غير المنطقي ،ان تتخذ تلك الجهات ذاتها، قرارا بمحاسبة اصحابها لاي سبب كان،قبل ان تضع حلولا جذرية بهدف تطبيق القانون في البلد.
تنويه لابد منه:
للامانة،التنويه ليس بقصد دفع الجهات المسؤولة، في مديرية المرور العامة ،او مديريات مرور المحافظات ،او حتى وزارة الداخلية، لمحاسبة كوادرها الذين تعاملوا مع اصحاب الدراجات النارية “بروح القانون ” و “لاسباب انسانية”، وليس لاسباب اخرى، وهم بذلك كما نلمس لم يقصدوا الاستهانة او عصيان تنفيذ الأوامر؛ وتلك القضية، نقلها الكثير من اصحاب الدراجات النارية ،الذين صادفتهم تلك المفارز الامنية، المكلفة بنطبيق نص قرار البيان الخاص بمحاسبة اصحاب الدراجات النارية المخالفة، والحقيقة ان اصحاب الدراجات اولئك، اثنوا على مواقف اولئك المنتسبين سواء ضباط ام مراتب ،ان تلك المواقف الطيبة، هي التي تجعلنا نتامل خيرا، برغم كم السلبيات التي ترافق عمل الجهات المسؤولة ايا كانت طبيعة عملها.